لعبت الجمعيات الأهلية في مصر دورا خيريا كبيرا منذ نشأتها فالعمل الخيرى كان أحد أهداف الجمعيات الأهلية في مصر تاريخيا منذ نشأة الجمعية الخيرية الإسلامية عام 1878 و جمعية المساعى الخيرية القبطية 1881 و حتى يومنا هذا وقد بدأت كثير من الجمعيات التى تأسست بدافع العمل الخيري في العقود الأخيرة تغير من رؤيتها وتتجه إلى العمل التنموي أو تجمع بين الاثنين بدرجة أو بأخرى.
كانت هذه هي مقدمة دراسة نشرت على موقع الهيئة العامة للاستعلامات تحت عنوان :" واقع العمل الأهلي في مصر الفرص والتحديات"، جاء فيها أن الفكر التنموي الحديث يعول على دور فاعل للجمعيات الأهلية فى التنمية فى إطار شراكة مؤسسية مع الدولة والقطاع الخاص ، وأنه فى هذا الإطار يصبح السؤال المحوري الذي يطرح نفسه، إذا كنا نبحث عن هذا الدور الفاعل والمؤثر، والذى تمت الإشارة إليه بوضوح في رؤية مصر 2030، هل القطاع الأهلي في مصر بحالته الراهنة قادر على ذلك؟ وما هى متطلبات تحقيق ذلك؟ والحقيقة أن لهذا السؤال آوانه في اللحظة الراهنة، والتى تشهد ولأول مرة في تاريخ العلاقات بين الجمعيات الأهلية والدولة المصرية بعد 1952 فلسفة جديدة للعلاقة بين الطرفين، فيها مساحة من الحرية ودرجة من الثقة، يمكن البناء عليها من أجل بناء شراكة تنموية حقيقية فعالة ومؤثرة. وأوضحت الدراسة أن الأعوام الأخيرة شهدت طفرة في نمو الجمعيات الأهلية في مصر، فقد بلغ عدد الجمعيات الأهلية المسجلة في وزارة التضامن الاجتماعى عام 2012 (37.500 ألف) جمعية أهلية، ارتفع إلى (43.500 ألف) جمعية ومؤسسة أهلية فى عام 2013 كما ارتفع هذا العدد إلى 50572 جمعية أهلية 2019 ، موضحة أن الملاحظ من هذا التطور الكمى أنه حدث في إطار القانون 84 لسنة 2002، والذي كان محل انتقاد كبير من قبل كثير من العاملين في القطاع الأهلي باعتبار أنه كان يحوي موادًا مقيدة للعمل الأهلي بدرجة ما بل الأمر الأكثر غرابة أن الفترة البينية ما بين صدور القانون رقم 70 لعام 2017 والقانون الجديد شهدت زيادة مقدارها 2992 جمعية مقارنة بأعداد الجمعيات لعام 2017 حيث كانت 47580 جمعية، مما يشير إلى استمرار النمو الكمي للجمعيات الأهلية بغض النظر عن الإطار القانوني ومدى ما يتيحه من حرية حركة.
والحقيقة أن هذه النقطة الجوهرية هي المدخل المناسب للانتقال إلى نوعية وجودة العمل الأهلي القائم، ومدى قدرته على الاضطلاع بدور فاعل في عملية التنمية سواء بمفرده أو من خلال بناء الشراكات مع مؤسسات الدولة. و نوهت الى أن خريطة الجمعيات الأهلية تتسم بالتنوع والتعقد الشديد، على أساس مجموعة من المحددات أهمها الحجم ونطاق العمل الجغرافي، وطبيعة الاقترابات الحاكمة للعمل ومن ثم التدخلات، متابعة :" فبالنسبة للحجم والنطاق الجغرافي للعمل، فهناك الجمعيات القاعدية الصغيرة والتي تنتشر في الريف انتشارًا واسعًا، ويطلق على عدد كبير منها جمعيات تنمية المجتمع المحلي، فلا تخلو قرية أو نجع أو كفر فى بر مصر من جمعية أو أكثر، وجدير بالذكر أن غالبية هذه الجمعيات تركز نشاطها على القرية أو النجع التي توجد فيه، كما أنها تميل للعمل الخيري بالأساس، غير أن الكثير منها يتم إنشاءه من قبل عائلات وأسر، فضلاً عن الصبغة الدينية للكثير منها، وربما المتغير الأكثر حداثة مقارنة بتقليدية المتغيرات السابقة، إن هذه الجمعيات القاعدية تحول جزءًا كبيرًا منها في السنوات الأخيرة إلى وكلاء لبعض المنظمات الخيرية الكبيرة مثل بنك الطعام ودار الأورمان في توزيع الطعام والكساء على الفقراء في قرى مصر. وقد كان نتيجة ذلك تسيد التوجه الخيري الرعائي في العمل والابتعاد عن العمل التنموي الهادف لتمكين البشر، والذى كان قد بدأ يتغلغل في قطاع من هذه الجمعيات عبر الشراكة مع مؤسسات تنموية كبيرة وجهات دولية مانحة في العقدين الأخيرين.
" و تابعت :" أما النمط الثاني وفقًا لمتغير الحجم ونطاق العمل فهو الجمعيات المتوسطة الحجم والتي في الغالب تتركز في المدن، أما النمط الثالث فهو الجمعيات الكبيرة والمركزية والتي تمتد أنشطتها إلى مناطق كثيرة وتتعدد فروعها في أماكن عديدة بين الريف والحضر، وهى قليلة العدد مثل بنك الطعام والجمعية الشرعية وجمعية أنصار السنة المحمدية وجمعية الأورمان والهيئة القبطية الإنجيلية وجمعية الصعيد للتربية والتنمية وغيرها،هذه الجمعيات تعمل في الغالب من خلال شبكة من الجمعيات القاعدية الصغيرة والمتوسطة، كما أنها تتمتع بمصادر تمويل متنوعة ومتدفقة سواء من الداخل عبر تبرعات رجال الأعمال والزكاة أو عبر التمويل من جهات مانحة دولية سواء حكومية أو غير حكومية."
وذكرت الدراسة أن القانون الجديد لتنظيم العمل الأهلي 149 لسنة 2019 فرصة جيدة لإعادة تنظيم عمل هذا القطاع بشكل يُسهم في عملية التنمية المستدامة من خلال شراكة حقيقية ومؤسسية مع مؤسسات الدولة، تقوم على المشاركة في صنع السياسات العامة منذ مراحلها الأولى والتي تتمثل في وضع الأجندة تحديد الأولويات مرورًا بالتخطيط ثم التنفيذ وأخيرًا المتابعة والتقييم، مؤكدة أن النجاح في الوصول لمثل هذه الصيغة كفيل بإحداث دمقرطة حقيقية في عملية صنع السياسة شريطة أن يكون الإطار المؤسسي للشراكة مفتوح لكل من يريد المشاركة، وأن يتم وضع معايير موضوعية لتشكيل مثل هذه الأطر المؤسسية للشراكة.